• ١٨ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٦ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

شبه الصديق

د. سلطان بن عبدالعزيز

شبه الصديق

شبه الصديق ليس صديقاً، ليس عدواً. شبه الصديق ليس كفاية حاجتك، ولا فتات أمانيك، لأنّك له مجرد قاطع وقت، ومسلّ، ومكبّ نفايات.

شبه الصديق لا يحترمك، قد يحب لقاءك عندما يكون فارغاً فيطلبك لمجلسهٍ، وما إن تصل إليه حتى يكون ربما ناعساً فينام ويتركك، أو جائعاً فيأكل ويتركك، أو مستأنساً بلهو فيلهو ويتركك، وربما وصلت إليه وهو مستمر في فراغه فيسره حضورك، لأنّك ستكون مكب نفايات حياته فيرغي عليك حتى يرتاح ثم يمضي ويتركك.

وشبه الصديق مع ذلك شخص مراوغ، قد يتظاهر بتقديرك من أجل مصلحته وليس من أجلك، فتصفح عنه بعدما غضبت، وتسامح بعدما جُرحت.

تتذكر قول الرافعي إن "أرفع منازل الصداقة منزلتان: «الصبر على الصديق حين يغلبه طبعُه فيسيء إليك، ثم صبرك على هذا الصبر حين تغالب طبعك لكيلا تسيء إليه»، فتظن أن هذا القول يخصه فتسمو عن رد الإساءة وتتحمل الأذى.

إن أخطأت فهو لا يسامح، وإن أخطأ فهو لا يعتذر، بل يلفّ خطأهُ حول عنقك ليقول لك بلسان الحال إنه استُكره على فعلته، لأنك اخترت أن يسيء إليك، وإلا فهو المنزّه عن الخطأ والنسيان.

شبه الصديق لص محترف، يسرق وقتك، ويؤجّل أعمالك، ويعيد ترتيب حياتك. وأنت تحب ذلك منه، لأن طبيعتك الإيثار، وأنت حين تفعل ذلك تتسق مع طبيعتك من دون تكلّف، ولا تشعر بأن الإيثار يقابله الاستئثار، ولذا فلا يصح أن يُمنح للصوص.

ربما عددته من البداية صديقاً دون أن تكفيك خبرتك لاكتشافه أو كان صديقاً سليماً ثم اعتلّت طباعه. ربما يمضي العمر وأنت متشبث  به لفرط تصديقك بأن الإنسان بلا صديق كيمين بلا شمال، أو رفض عقلك تقبّل أنك انخدعت لفترة من الزمن فتتستر على فضيحتك. يبدو الأمر صعباً بحق، فكيف تتخلص من مهزلة ذكرياتك معه؟!

إن كنت جاهلاً به فعسى أن ترشدك الأيام، وأما إن استوعبت الكارثة وكنت جباناً في الاعتراف بأمره؛ فاعلم أن امتهانك لنفسك سيجعلك مشروع شبه صديقٍ لأحدهم، وأرجو ألا أكون أنا.

ارسال التعليق

Top